منذ سنوات عديدة مضت كنت اجلس انا وصديقة في مدرج الجامعة في انتظار بدء المحاضرة
وكنت اجلس وانا امسك في يدي كتاب بعنوان قصائد انسانية وهو عبارة عن منتخبات من شعر شاعر الاسبانية الشهير قيصر باييخو وقد انتهيت من قرائته وفي حالة من النشوة الممزوجة بالحيرة فكلماته دائما ما تجعلني امر بتلك التجربة الغريبة مع النفس تجربة التزوق وكئن كلماته كشيء التقطه في حانة من حانات البيرو لها طعم غريب علي لسان شرقي
وهنا جاء سؤالها ما اكثر قصيدة اعجبتك في هذه القصائد
لم اصب بحيرة قلت في هوادة وتئني " اخطر لحظة في الحياة "
وظلت صامتة عابسة تنتظر المزيد ففتحت صفحات الكتاب ورددت وانا اوزع نظراتي بين عينيها وصفحات الكتاب واوجه الطلبة وبابا المدرج والرجل العجوز الجالس بجواره
قال رجل :
اشد لحظات حياتي حرجا كانت في معركة "المارن"
عندما اصبت بجرح في صدري
رجل اخر قال :
اشد لحظات حياتي حرجا
كانت في زلزال بحري في يوكوهاما نجوت منه باعجوبة
مختبئا تحت حافة خيمة من طلاء صيني
ورجل اخر قال :
اشد لحظات حياتي حرجا
تحدث عندما انام نهارا
وقال اخر :
اشد لحظات حياتي حرجا كانت في وحدتي الكبيرة
وقال اخر :
اشد لحظات حياتي حرجا كانت في احد سجون البيرو
وقال اخر :
اشد لحظات حياتي حرجا هي مواجهتي لابي جانبيا
وصمت لبرهة
فبادرتني
ما اشد لحظات حياتك حرجا؟
توقفت لدقيقة ثم حدثتها قائلا
ان اشد لحظات حياتي حرجا حين اوي للفراش ليلا
ارتسمت علامات الريبة والتعجب علي وجهها الصغير
فقلت وانا احدث نفسي
كل ليلة عندما تنطفء الانوار واجلس وحيدا مستسلما للنوم ياخذني عقلي لصراعات
وذكريات قديمة امقت ان اعاود تذكرها كل ليلة من ليالي حياتي لذلك احاول الهروب من الظلام والليل بالقرائة مع اشعال الشموع الخافتة او حتي سماع الراديو
وكانت الحقيقة ما قلت
لكنها لم تكن الحقيقة الكاملة فهناك ما لم اقله ربما لو عادت بي الايام ما كنت لاقله من جديد
لانها سر لا يستحق الافصاح عنه ربما لو عادة الكرة وسئلتني مجددا لقلت لها
اني كل ليلة حينما اوي لفراشي ويبدا في الدفء اشعر اني علي فراش الموت
وان هذه الليلة هي ليلتي الاخيرة وان كل ما ارتكبته في حياتي من اثام وفضائل
لا يعني شيء امام حقيقة انها ليلتي الاخيرة
ثم ابدا في التخيل ان هذا السرير قد نبت له اجناب من الخشب تحيط بجسدي
وتحتويه ثم يبلي الخشب ويصبح تربة الارض تضغط علي ضلوعي
لم يكن يفزعني هذا الخاطر خشية الموت فالموت قضاء الله ولا راض لقضائه
لكن هذا الخاطر حرمني متعة النوم لليالي طوال وجعلني اشعر وانا في قمة شبابي ومجدي
اني رجل اشيب حتي تلك الشعيرات البيضاء التي بدات في الاعلان عن نفسها في شعري
اصبحت دليل عن ما اعاني به في داخلي من هرم وتعب والم وعجز
لم ارد ان اخبرها بسري الصغير ولو عادت بي الايام ما كنت لاقله من جديد
او افصح به لاحد حتي نفسي
لكن ربما كنت لاسئل احدهم ما اشد لحظات الحياة قسوة؟
فهل من بينكم من هو قادر علي اجابة هذا السؤال العتيق؟